عدد سكان الإمارات 2025

عدد سكان الإمارات: تحليل شامل للتطور الديموغرافي والخصائص السكانية

تُعد دولة الإمارات العربية المتحدة من الدول الخليجية التي شهدت تحوّلات ديموغرافية هائلة خلال العقود الخمسة الماضية، حيث انتقلت من دولة ذات بنية سكانية بدوية شبه معزولة إلى دولة حضرية ذات طابع عالمي تستقطب ملايين الأفراد من مختلف الجنسيات. ويُعتبر عدد السكان في الإمارات أحد أبرز المؤشرات التي تعكس هذه التحوّلات، إذ يعكس هذا الرقم ليس فقط الزيادة الطبيعية للسكان، بل أيضاً التأثير الهائل للهجرة الخارجية وديناميات سوق العمل. هذا المقال يقدم عرضاً موسعاً وتحليلياً لتعداد سكان دولة الإمارات، مع تناول السياقات التاريخية، والسياسات السكانية، والاختلال في التوزيع السكاني، فضلاً عن الخصائص الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بهذا الملف الحيوي.

أولاً: عدد سكان الإمارات حتى عام 2025

وفقاً للبيانات الأحدث الصادرة عن المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء (FCSC) والتقديرات الديموغرافية الدولية المعتمدة، فإن عدد سكان دولة الإمارات العربية المتحدة في منتصف عام 2025 يُقدّر بحوالي 10.17 مليون نسمة. ويُلاحظ أن هذا الرقم يشهد تذبذباً طفيفاً عاماً بعد عام، نتيجة للتغيرات المرتبطة بالهجرة والإقامات المؤقتة التي ترتبط بسوق العمل، خاصةً في قطاعات البناء والخدمات والنقل.

هذا العدد لا يُعبّر فقط عن المواطنين الإماراتيين، بل يشمل أيضاً المقيمين الأجانب الذين يشكّلون نسبة كبيرة جداً من إجمالي السكان، وهي ميزة ديموغرافية فريدة تميّز دولة الإمارات عن غالبية دول العالم، وتُعرف بظاهرة “الدولة ذات الأغلبية الوافدة”.

ثانياً: تطور عدد السكان عبر العقود

إنّ تطور عدد السكان في الإمارات يُعد من أسرع معدلات النمو الديموغرافي في منطقة الشرق الأوسط، ويرتبط هذا النمو بمشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية العملاقة التي شهدتها الدولة منذ سبعينيات القرن العشرين.

تُظهر هذه الأرقام أن غالبية النمو السكاني حدثت في العقود الثلاثة الأخيرة، وهي الفترة التي ترافقت مع توسع الدولة في مشاريع البنية التحتية والنفط والسياحة والعقارات والاقتصاد المعرفي.

ثالثاً: التوزيع السكاني حسب الإمارات

تتوزع الكثافة السكانية في الإمارات بشكل غير متساوٍ بين إمارات الدولة السبع، إذ تتركّز الغالبية العظمى من السكان في إمارات أبوظبي ودبي والشارقة، وذلك بسبب البنية الاقتصادية والخدمية لهذه المناطق. وتشير الإحصاءات الرسمية إلى التوزيع التالي تقريباً:

تشير هذه البيانات إلى أن الإمارات الثلاث الكبرى (دبي، أبوظبي، الشارقة) تضم حوالي 83% من إجمالي سكان الدولة.

رابعاً: نسبة المواطنين مقابل المقيمين

واحدة من الخصائص الفريدة لسكان الإمارات هي الفجوة الكبيرة بين عدد المواطنين وعدد المقيمين الأجانب. تشير التقديرات إلى أن نسبة المواطنين الإماراتيين لا تتجاوز 11.5% من إجمالي السكان، أي حوالي 1.17 مليون مواطن فقط من بين أكثر من 10 ملايين نسمة، بينما يشكل الوافدون والمقيمون الأجانب الغالبية العظمى بنسبة تتراوح بين 88% و89%.

يرتبط هذا الواقع بسياسات استقدام العمالة الأجنبية، خصوصاً في مجالات البناء، والخدمات، والنقل، والضيافة، ما يجعل البنية السكانية في الإمارات مختلفة جذرياً عن معظم الدول.

خامساً: الفئات العمرية للسكان

تعكس الفئات العمرية في الإمارات بُنية شبابية نشطة، حيث تُشكّل الفئة العمرية بين 25 و54 سنة أكثر من نصف السكان، ما يدل على أن معظم السكان هم من القوى العاملة. وهذه التركيبة تتأثر بسياسات استقدام العمالة، إذ أن غالبية المقيمين في سن العمل، ويقيمون مؤقتاً لغرض العمل دون وجود جذور أسرية طويلة الأمد في الغالب.

سادساً: التركيبة الجندرية (النوع الاجتماعي)

تُظهر البيانات الديموغرافية اختلالاً واضحاً في التوازن بين الذكور والإناث، إذ يُشكّل الذكور حوالي 69% من إجمالي السكان، مقابل 31% فقط من الإناث، وذلك بسبب التركز الكبير للذكور في قطاعات العمل الوافد التي تتطلب عمالة جسدية كثيفة، مثل الإنشاءات والنقل والخدمات.

سابعاً: الجنسيات المقيمة في الإمارات

تُعد الإمارات موطناً لمقيمين من أكثر من 200 جنسية، ويُشكّل الوافدون من الهند، باكستان، بنغلاديش، الفلبين، مصر، نيبال، وإيران أكبر المجموعات الأجنبية من حيث العدد. وتُشير التقديرات إلى أن:

• الهنود يشكلون ما يزيد عن 2.7 مليون نسمة (نحو 27% من سكان الدولة)

• الباكستانيون نحو 1.2 مليون نسمة

• البنغلادشيون حوالي 0.75 مليون نسمة

• الفلبينيون نحو 0.65 مليون نسمة

هذه الأرقام تُظهر اعتماد الاقتصاد الإماراتي بشكل كبير على الأيدي العاملة الوافدة من جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا.

ثامناً: العوامل المؤثرة في النمو السكاني

هناك عدة عوامل تفسّر النمو السريع والتنوّع الكبير في سكان الإمارات:

1. النمو الاقتصادي السريع: الإمارات أصبحت من أكثر الدول جذباً للاستثمارات والعمالة بفضل بنيتها التحتية الحديثة ومكانتها العالمية.

2. سياسات الهجرة المرنة: نظام الإقامة والعمل يتيح للعديد من الجنسيات الدخول والإقامة المؤقتة بسهولة.

3. الاستقرار السياسي والأمني: ما يجعلها وجهة آمنة وجاذبة للعائلات والمستثمرين.

4. النشاط السياحي والعقاري: ازدياد الأنشطة المرتبطة بالسياحة الفاخرة والعقارات ساهم في استقدام المزيد من المقيمين المؤقتين وطويلي الأجل.

5. ارتفاع الطلب على الخدمات: نتيجة تزايد عدد السكان، ما أدى إلى استقدام المزيد من العاملين في قطاعات الصحة والتعليم والخدمات المساندة.

تاسعاً: التحديات المرتبطة بالتركيبة السكانية

رغم أن التنوّع السكاني يُعد من مكامن القوة الاقتصادية والثقافية في الإمارات، إلا أن هناك تحديات ديموغرافية واجتماعية تفرض نفسها بقوة:

• الفجوة بين عدد المواطنين والمقيمين، ما يثير نقاشات حول الهوية والثقافة الوطنية.

• الاختلال بين الذكور والإناث في سوق العمل والمجتمع.

• العبء على البنية التحتية نتيجة الكثافة السكانية المتزايدة في المدن الكبرى.

• التحديات التعليمية والصحية لضمان جودة الخدمات لمجتمع متنوّع ومتغير باستمرار.

• ضغوط التوطين (التوطين الوظيفي) وتوفير فرص عمل مناسبة للمواطنين في ظل المنافسة الأجنبية.

عاشراً: سياسات الدولة تجاه السكان

تبنّت الإمارات مجموعة من السياسات لإعادة التوازن السكاني وتحقيق التنمية المستدامة، من أبرزها:

• استراتيجية التوطين: تشجيع المواطنين على الالتحاق بالقطاع الخاص ودعم التوظيف المحلي.

• نظام الإقامة الذهبية: لجذب الكفاءات والاحتفاظ بها على المدى الطويل.

• التركيز على التعليم النوعي: لبناء جيل مواطن قادر على المنافسة في سوق عالمي.

• رعاية الأسرة الإماراتية: عبر برامج الإسكان والدعم الاجتماعي.

• التخطيط العمراني المستدام: لتقليل الضغط على المدن الكبرى وتوزيع السكان بطريقة متوازنة.

المراجع

1. المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء – الإمارات العربية المتحدة: https://fcsc.gov.ae

2. بيانات الأمم المتحدة السكانية – إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية DESA (World Population Prospects 2024)